د. تغريد صفاء مهدي*
في 5 يناير/ كانون الثاني 2020 صوت البرلمان العراقي لصالح قرار يطالب بإخراج القوات الأجنبية بما فيها الامريكية من البلاد وذلك بعد يومين من ضربة جوية أمريكية اسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي، جاء القرار من فكرة دعم سيادة العراق، وان هذا القرار العراقي القاضي بإخراج القوات الامريكية وغيرها من القوات الأجنبية افضى الى حق العراق في امتلاك سيادته، وقد لاقى القرار ضمن الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن ترحيبا سياسياً من الكثير اذ عبر الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة عبر تويتر (( ان نتائج الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي مهمة لتحقيق الاستقرار وتعزيز السيادة العراقية، وتأتي ثمرة عمل حثيث من الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي وبدعم القوى الوطنية وتستند الى مرجعية الدولة)) غير ان الكثير يخشى من ان هذا القرار سيفتح باب الانقسامات على مصرعيه لتتوالى الفصائل المسلحة والجماعات الإرهابية بخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني، وقد يكون التراجع الأمريكي فرصة للغير لاكتساب نفوذ سياسي واقتصادي في العراق.
من سيقدم نفسه بديل للقوات الامريكية بعد انسحابها من العراق؟
هل سيولد الانسحاب الأمريكي من العراق فراغ أمني ؟؟
ذريعة الوجود الأمريكي في العراق
اذ تتواجد القوات الامريكية في العراق منذ عام 2003 عندما وصل قرابة 125 الف جندي امريكي الى العراق في اذار/ مارس من العام نفسه ( بزعم تدمير أسلحة الدمار الشامل ) والإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق ( صدام حسين ) وبعد تولي الرئيس الأسبق الأمريكي ( بارك أوباما ) السلطة في البيت الأبيض عام 2009 تعهد بخفض عدد الجنود الأمريكيين في العراق الى ان وصل عددهم 5 الاف جندي؛ حتى ظهر(( داعش)) في العراق وسوريا عام 2014 ظهرت الحاجة من جديد لاستمرار الدعم العسكري الأمريكي للعراق لاسيما الحاجة الى المقاتلات العسكرية والغطاء الجوي والطائرات المسيرة لمواجهة تنظيم (( داعش الإرهابي)) وبعد هزيمة ((داعش)) الى حد ما لم تنتف الحاجة الى الوجود العسكري الأمريكي في العراق وانما اصبح الامر يتطلب خفض عدد القوات الامريكية، اذ قرر الرئيس الأمريكي السابق ( دونالد ترامب ) خفض هذا العدد ليصل الى 2500 جندي امريكي، وبإعلان الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي ( مصطفى الكاظمي ) في 26 / يوليو تموز 2021 للبيت الأبيض [ ان الولايات المتحدة ستنهي مهمتها القتالية بحلول نهاية عام 2021 في العراق لتباشر مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع العراق، وان الدور الأمريكي في العراق سيتحول الى تقديم المشورة والتدريب وان العسكريون الامريكيون الموجودين في العراق هم مستشارون ومدربون] واتفق الجانبان على العودة الى تطبيق قانون الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة وقانون اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعمل القوات الامريكية في العراق عام 2008 (والذي ينص أحد بنوده على أن مهام القوات الامريكية تنحصر في تدريب القوات العراقية لا للمشاركة في المهام القتالية )
هل يعني بإعلان الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق هو انتهاء الحرب على الإرهاب؟
الانكماش الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط
بدا العالم يراقب عن كثب ليرى ان كان تنظيم (( داعش )) او غيره من الجماعات الجهادية الإرهابية سيبدأ باستخدام العراق منصة لإطلاق الهجمات الإرهابية عابرة الحدود لاسيما ضد الغرب مرة أخرى، بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وقد يتبادر الى الاذهان سيناريو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان !! وهل ستصبح بغداد مثل كابول ؟ إذ تعد حرب أفغانستان عام 2001 وحرب العراق عام 2003 من أكبر المغامرات الحربية للولايات المتحدة الامريكية بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية تسعينيات القرن العشرين، إذ صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، في23 ديسمبر/كانون الأول 2003، تقرير وضعه الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنطوني كوردسمان، أشار فيه إلى جملة من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية في العراق وأبرزها: حل الجيش العراقي والفشل في إيجاد توازن بين القوى السياسية والتشجيع على مبدأ المحاصصة الطائفية، والفشل في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار والفشل في إيجاد موازنات جديدة في العلاقات مع جيران العراق تكفل عدم التدخل في شؤونه وتهديدهم لأمنه واستقراره، وأخيرا عدم القدرة على إعادة الأعمار والفشل في تفعيل الخدمات الضرورية للمواطنين كالماء والكهرباء والتعليم والصحة.
وقد أشار نيوشين تشون ( مدير معهد الشرق الأوسط التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة ) أن العراق لن يصبح أفغانستان القادمة وأن أهمية العراق أكبر من أفغانستان ولا يمكن للولايات المتحدة تركه، وأن الانسحاب الأمريكي العسكري من العراق يمثل خطوة رمزية ويعكس التوجه الأمريكي نحو الانكماش الاستراتيجي في الشرق الأوسط وللولايات المتحدة أربعة نقاط رئيسة في استراتيجيتها بعد الانسحاب :-
- عدم السماح للدول المعادية بالسيطرة على الدول المهمة والقضايا الكبرى .
- مواجهة الهجمات المباشرة على المصالح الامريكية والامريكيين.
- عدم السماح للمنظمات الإرهابية إقامة معسكرات أو تأسيس دولة معادية للغرب .
- منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.
توفير التوازن الاستراتيجي امام النفوذ الإيراني
منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 تحاول إيران جاهدة اجلاء القوات الامريكية من الدول المجاورة القريبة ولم تنجح ايران كثيرا وفي الخليج العربي تحديدا لوجود القواعد العسكرية الامريكية، طالما تتعرض المصالح الامريكية لهجمات متكررة في العراق تتهم فيها الولايات المتحدة الفصائل المسلحة المدعومة من ايران في العراق وقد لا يكون موضوع الانسحاب الأمريكي من العراق مجرد مناورة إعلامية او محاولة لكسب الوقت بقدر ما هو هدف استراتيجية تقليص التواجد الأمريكي في المنطقة للتخفيف عن واشنطن من اعبائها والتزاماتها الاقتصادية والعسكرية المتزايدة لصالح الشراكات والضمانات الأمنية .
الحرب الأهلية في سوريا منحت الفرصة لوجود عسكري إيراني قوي هناك، في حين أصبح حزب الله في لبنان حليف إيران ضد إسرائيل، وفي هذه المعادلة يصبح العراق امتداد جيوستراتيجي لإيران، إذ تأمل إيران بإنهاء الوجود الأمريكي من ساحتها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المعلنة وغير المعلنة، أما من المنظور الأمريكي لا ترى الولايات المتحدة العراق ساحة إيرانية لضرب المصالح الامريكية من جهة أخرى إن حالة تحقق هذا الانسحاب سوف يدفع حلفاء واشنطن الإقليميين للبحث عن حلفاء آخرين، إلى جانب مواصلتهم لعب دور فاعل في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وقد ينوه الانسحاب القوات القتالية الى اقناع طهران بان الوجود الامريكي في العراق لا يشكل تهديدا لها، مما يسهل التوصل الى اتفاق في المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 من جديد وفق الشروط الامريكية .
وفي الختام، يمكن القول قد نجد صعوبة في انسحاب واشنطن من العراق لاسيما أن هذا الانسحاب سوف يهدد المكانة والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويفتح الباب أمام القوى الدولية الاخرى روسيا والصين تحديدا لتأدية دور أمني أكبر، وإن قدرة العراق على مواجهة التحديات الإقليمية وخطر الارهاب لا يمكنها الاستمرار وفق الإمكانات الضئيلة التي تمتلكها الإرادة السياسية في العراق والانقسامات الهيكلية السياسية والعسكرية في النظام السياسي والعجز عن التوافق لتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها حل المشاكل الإدارية والعسكرية، وتوفير الخدمات للمواطنين، والبحث عن سبل إخراج العراق من أتون أزماته وتلطيف علاقاته مع الدول المجاورة له .
*د. تغريد صفاء مهدي/ باحثة عراقية