عبدالله محسن الجبوري*
كانت ولا تزال تركيا تنظر الى العراق بعمق استراتيجي، من خلال ربط المصالح السياسية والاقتصادية التي تتمثل في ملفات عدة: منها جيو سياسية (كالملف الكردي، الملف التركماني) وملفات جيو استراتيجية مثل (الحدود، المياه)، وأيضا ملفات اقتصادية مثل (النفط، التجارة). لذلك عملت تركيا جاهدة على صياغة سلوك سياسي يتوائم وتلك الملفات التي تعدها تركيا مفتاح السياسة الخارجية إزاء العراق، وتتعاقب المصالح التركيا بتعاقب الحكومات العراقية، بذات السلوك ولكن بأساليب وانماط متذبذبة يميل ليكون الحوار هو السمة الغالبة فيه، ومع مجيء الحكومية العراقية الجديدة برئاسية السيد مصطفى الكاظمي عقب احداث تشرين 2019، وجهت الحكومة التركية دعوة رسمية للسيد الكاظمي لزيارة تركيا، وتكمن أهمية هذه الزيارة التي جاءت بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 تشرين الأول 2020 لكونها اتت في مرحلة مهمة حدد فيها موقف تركيا الداعم لحكومة الكاظمي التي حظيت بقبول إقليمي ودولي قد يكون هو الأكثر من بين جميع الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق بعد عام2003.
وتركزت الزيارة في مناقشة ستة ملفات مهمة وحيوية بالنسبة للدولتين، بضمنها الأمن والاقتصاد والطاقة والمياه والربط السككي والتأشيرة، وتكللت تلك الزيارة بتوقيع عدة مذكرات لتنظيم الموضوعات مدار بحث الزيارة. وفي ذات السياق صرح أردوغان، في مؤتمر صحفي مشترك مع الكاظمي في أنقرة، “إن تركيا تقف إلى جانب العراق في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وتدعم وحدة أراضي العراق بكل مكوناته”، كما أكد دعم تركيا اتفاقية إلغاء الازدواج الضريبي مع العراق، وشدد ايضا على ضرورة صنع الأرضية التي تدعم رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، والاستمرار في المشروعات التنموية خاصة قطاع الطاقة، ومنها الأنبوب النفطي المهم بين كركوك وجيهان.
وبشأن ملف المياه قال أردوغان “إنه لن يكون محط خلاف بين تركيا والعراق”، مشيرا إلى “أن تركيا تدرك أهمية المياه والطاقة بالنسبة للبلدين.”
بناءً على ذلك فان السلوك السياسي الخارجي التركي تجاه العراق بشكل عام هو سلوك حواري تفاوضي يعمل على استخدام الملفات العالقة مثل المياه والحدود والتركمان وبقية الملفات البينية كأوراق ضغط تفاوضية من اجل الحصول على مكاسب النفوذ التي يمكن ان تجعل من تركيا احدى دول النفوذ الإقليمي، هذا من جهة، ومن اجل تحقيق المصالح الاقتصادي وضمان زيادة التبادل التجاري ومصادر الطاقة من جهة أخرى، هذا على المستوى الاستراتيجي. اما على المستوى الحالي فان تركيا تسعى في سلوكها تجاه العراق على تحقيق الآتي:
- أن ملف حزب العمال الكردستاني(PKK) هو المهدد الرئيس لأمنها القومي، لذلك هي تسعى الى كسب دعم العراق مكافحة هذا الحزب.
- أن حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين يفوق 10 مليارات دولار، لذلك فان تركيا تعمل على المحافظة على هذا التدفق التجاري وزيادة.
- ان مشروع الدولة الكردية، يعد من بين أكبر الهواجس التي تهدد كينونة الدول التركية، إذ تسعى تركيا الى التعاون مع الدول ذات الهاجس المشترك وبضمنها العراق على عدم ظهور تلك الدولة.
*عبدالله محسن الجبوري/ باحث عراقي في مؤسسة سومر للشؤون الدولية