أحمد فؤاد حسن*
تخضع العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق الى مجموعة محددات داخلية واقليمية ودولية، يتفاوت تعقيدها بسبب بيئة المتغيرات التي تحيط كل محدد من هذه المحددات، وفي ظل ظروف ومتغيرات سريعة ومتلاحقة تشهدها هذه المحددات، يطمح العراق لمجاراة التوازنات الجديدة التي ستحصل في منطقة الشرق الاوسط وما تريده الولايات المتحدة لحلفاؤها من ادوار تناسب تطلعاتها الاستراتيجية، وهذا يتطلب استقرار سياسي داخلي في العراق وتبني سياسة تنسجم مع الواقع الاقليمي الجديد الذي تتشكل ملامحة.
ولعل من اهم المحددات الداخلية التي تقف امام العلاقات العراقية الامريكية ما يتعلق بتحقيق استقرار داخلي في ظل انقسام سياسي واضح حول التواجد العسكري الامريكي، اذ صوت البرلمان العراقي في 5 يناير/ كانون الثاني 2020 على الزام الحكومة بالعمل على انهاء وجود اي قوات اجنبية على الاراضي العراقية بما فيها القوات الامريكية، واصبح بعض المؤيدين لانسحاب القوات الامريكية يتلاعبون بالاستقرار الداخلي بحجة وجود القوات العسكرية الامريكية، الامر الذي قاد الى جولات حوار استراتيجية بين بغداد وواشنطن انتهت بجدولة خروج القوات الامريكية من العراق نهاية 2021، وهذا قد يفضي الى تحقيق استقرار داخلي يُمكن العراق من لعب دور اقليمي فاعل ويساعده على تحقيق تطلعاته الاقتصادية والسياسية.
وبشأن المحدد الاقليمي فأن العراق حقق تقدماً كبيراً في الانفتاح على الدول العربية والمجاورة وعقد تحالفات مهمة الى جانب تبنيه وساطة للحوار السعودي الايراني الذي يعتقد ان اي تسوية بين الجانبين تنعكس مخرجاتها ايجابياً على العراق في تخفف حدة التوتر السياسي داخلياً وتحول دون اللجوء الى تصعيد عسكري ضد اي طرف له حضور دبلوماسي في العراق، ولعل هذا يقود بالمستقبل الى انفراج بالعلاقات بين الولايات المتحدة وايران بشأن الملف النووي والعقوبات الاقتصادية، اما المحدد الدولي الذي يؤثر على طبيعة العلاقات العراقية الامريكية هو انشغال الولايات المتحدة بالملفات الداخلية والدولية الى جانب قلقها من الصعود الصيني وتنامي علاقاته الاقتصادية مع دول الشرق الاوسط بما في ذلك العراق، لا سيما وان هنالك قوى سياسية داخلية في العراق تدفع بأتجاه تعضيد العلاقات العراقية الصينية على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية.
وبناء على ما سبق من محددات؛ يمكن تلخيص المصالح العراقية في اربعة جوانب رئيسة؛ تكمن الاولى في انهاء التواجد العسكري الامريكي مع حاجة العراق الى القدرات الاستخباراتية الامريكية لتتبع ومواجهة محاولات عصابات داعش من استعادة نشاطها ونفوذها، وتتمثل المصلحة الثانية بتقوية الدولة ودعم شرعية النظام السياسي عبر مساعدة العراق في اخذ دور اقليمي يحول دون تحوله الى منطقة للتفاعلات بين الدول الاقليمية المتنافسة يساعده على تحقيق شراكات الاقتصادية وسياسية طويلة الاجل، اما المصلحة الثالثة فأنها تتركز على مساعدة العراق في تنفيذ الاصلاح الاقتصادي وتنمية نشاط القطاع الخاص وتشجيع استثمار الشركات الامريكية في العراق في مجالات الطاقة الكهربائية واستثمار الغاز المهدور والبنى التحتية، فيما تتمحور المصلحة الرابعة على اعادة الممتلكات العراقية الثقافية التي نقلت الى الولايات المتحدة الامريكية بشكل غير قانوني ودعم جهود العراق في تعزيز قطاعي الصحة والتعليم العالي.
ختاماً؛ تبقى المتغيرات الداخلية في العراق الاكثر تأثيراً في طبيعة العلاقات العراقية الامريكية، واذا ما اراد العراق ان يحقق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية عليه ان يبتعد عن سياسة المحاور ويركز جهوده على تحقيق التنمية والاستقرار السياسي، والا فأن الولايات المتحدة الامريكية من غير الممكن ان تترك العراق وهو مساحة نفوذ لخصومها.
*أحمد فؤاد حسن/ باحث عراقي في مؤسسة سومر للشؤون الدولية