العلاقات العراقية السعودية وفرص التحول الى شراكة استراتيجية

مهند أحمد الفرج*

الملخص:

تهدف هذه الدراسة الى ابراز طبيعة  العلاقات السياسية العراقية السعودية نظرا  لأهمية دراسة  العلاقات السياسية ولما ينماز به هذين البلدين من ثقل إقليمي، ومدى تأثير الاحداث السياسية في المنطقة العربية على طبيعة العلاقات السياسية بين العراق والسعودية ومواقف البلدين من هذه الاحداث.

لعبت العديد من العوامل دورا في التأثير على العلاقات السياسية العراقية السعودية أبرزها  الميراث التأريخي للعلاقات السعودية الهاشمية وأختلاف التوجهات الفكرية بين البلدين كما شكل الخلاف العراقي السعودي حول السياسة النفطية وكيفية الاستفادة من ثروة كبيرة في خدمة القضايا العربية عامل توتر في العلاقات العراقية السعودية ولم تكن العلاقات على وتيرة واحدة والتي كان يسودها دائما التوتر والارتياب بعد ان تغيرت المعادلة السياسية في العراق بعد عام 2003 اذ شهد العراق الكثير من المتغيرات الداخلية والتحولات الجذرية , وكذلك البيئة الاقليمية والدولية شهدت هي الاخرى تحولات كبيرة .

المقدمة:

بشكل عام جاءت مبادئ السياسة الخارجية العراقية العراقية بعد عام 2003 لتعبر عن شكل التغيير السياسي في العراق ونوعه والتطلعات السياسية الخارجية العراقية الجديدة للدولة العراقية بغية الحفاظ على مصالحة الخارجية وبناء صورة ايجابية لدى دول الاقليم على وجه الخصوص , والعالم عموما قائمة على اساس محو صورة السياسية السلبية للعراق قبل عام 2003 واقناع الجميع ولاسيما دول الجوار بجدوى قيام عراق ديموقراطي قوي , وعلى الرغم من ذلك لا يمكن القول ان الدولة العراقية استطاعت ان تحدد مصالحها وأهدافها في سياستها الخارجية خلال المراحل الماضية , ويندرج ذلك لعدة اعتبارات منه ما شهدت الساحة العراقية الكثير من الاحداث , منها الانقسامات الداخلية والتنافس الاقليمي لجيران العراق الذي اتاح لتطبيق اجندتها الخاصة.

من جانب ثاني والمتعلق بالعلاقات العراقية السعودية شهدت العلاقات السياسية بين العراق والسعودية حضورا بارزا في الفترة الاخيرة فبعد سلسلة من زيارات مسؤولي الدولتين لمراجعة عدد من التفاهمات بينهما, جاء هذا التقارب ليحمل عدد من المصالح السياسية والاقتصادية التي تخدم البلدين في سعي الجانبين على وضع رؤى مشتركة لخدمة العلاقات الثنائية بينهما.

اولاً: سياقات التقارب بين العراق والسعودية:

كما هو معروف في صياغة السياسات الخارجية لكثير من الدول انه لا علاقات طويلة الامد دون وجود مصلحة مشتركة بين طرفي العلاقة وتعزيز الحلفاء من اهم النقاط التي يحتاجها العراق في سياسته الخارجية ومن ثم ما يجب ان يترتب على ذلك من اثار تخدم الاساس العام لهذه الفكرة لا سيما وان العراق بأمس الحاجة لوجود استثمارات اجنبية اقليمية متوازنة لتعزيز الاستقرار وتقلل عملية الصراع على ارضه.

على الرغم من التطبيع التدريجي لعلاقات العراق مع جواره العربي بعد عام  2003، إلا ان تطبيع العلاقات بين العراق والسعودية لم يكن ممكننا الا مع تغيير الادارة في البلدين حيث بدأت حقبة جديدة في العلاقات العراقية السعودية مع تشكيل حكومة جديدة رئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عام 2014 والملك سلمان بن عبد العزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية في عام2015 وعليه عينت السعودية سفيراً لها في العراق في الايام الاخيرة لعام 2015 الاول مرة منذ حرب الخليج .

بعد تحرير الاراضي العراقية عام 2017 التي احتلها تنظيم داعش الارهابي حدث تطور نوعي في مجرى العلاقات العراقية_ السعودية تمثل بأندفاع السعودية اتجاه العراق لتوطيد العلاقات وتم التمهيد لها بزيارة وزير الخارجية السعودي “”عادل الجبير”” والتقى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، واعتبرت الزيارة نوعية، لانها تمثل اول زيارة لوزير خارجية سعودي الى العراق منذ عام 2003 وكما جاء في برنامج الحكومة المصادق عليه في 6 مايو عام 2020 وعد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي  بأن السياسة الخارجية ستبنى على مبادئ “”السيادة والتوازن والتعاون”” وتتوافق مبائ السياسة الخارجية التي تبعتها حكومة الكاظمي الى حد كبير مع مبادئ السياسة الخارجية التي اعتمدتها حكومتي عادل عبد المهدي وحيدر العبادي.

ثانياً: ابعاد التقارب بين العراق والسعودية ونتائجه على الطرفين:

شهدت السنوات الاخيرة حالة من الاستقرار واتضح ذلك من خلال تبادل الزيارات والبرقيات بعدة مناسبات وخلو الخطاب الإعلامي للبلدين من أي تصعيد سياسي, وأخذت صيغة الخطاب الإعلامي تميل إلى أللين  وتدعو إلى التعاون.

  • البعد السياسي:

جاء هذا التقارب ليحمل عدد من المصالح السياسية التي تخدم البلدين وقد مثل فتح معبر عرعر، البوابة الحدودية الرئيسية بين العراق والسعودية في نوفمبر عام 2020، بعد 29 عاما ً من الأغلاق احد اكثر الخطوات ملموسة في فترة الكاظمي في تطوير العلاقات بين البلدين, وانتهج العراق سياسة عدم كونه طرفاً في التحالفات بين دول الجوار نتيجة سياسة التوازن واحترام حقوق السيادة التي تبناها, لذلك في الازمة الخليجية الاخيرة التي بدأت عام 2017 والتي رفض فيها حالة المقاطعة التي فرضت على قطر, وكان داعياً للمصالحة, ونشرت صحيفة (المونيتور) الامريكية في مايو 2020 مقالا مهما الرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اكد فيه “” ان العلاقات العراقية – السعودية هي المفتاح الرئيسي لمشاكل وحلول الأزمات في الشرق الأوسط”” وأن العلاقات بين العراق والسعودية ليست خيارا , بل واجب استراتيجي بين البلدين ويجب العمل على توسيعها.

  • البعد الاقتصادي:

يعد الملف الاقتصادي الملف الأهم خلال هذه الزيارات وقد تم الأتفاق على حول العديد من المشاريع الأقتصادية , وعليه اجتمع مجلس التنسيق السعودي العراقي في أكتوبر عام 2020 في الرياض برئاسة وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح ووزير التخطيط العراقي خالد نجم وأوضح وزير الاستثمار السعودي أنه تم بحث فرص الاستثمار العراق خاصة في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة , وضاف في نطاق اجتماع المجلس الا ان حجم استثمارات المملكة العر بية السعودية في العراق حالياَ تبلغ مستوى 530 مليون دولار وان المملكة تستهدف زيادة استثماراتها في العراق بما يقارب خمسة اضعاف الموجود لتصل الى 2.6 مليار دولار , وبعد شهر من هذا الاجتماع عقد ولي العهد السعودي لقاءا (اونلاين) مع السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في يوم 10/11/2020 تم خلاله استعراض الدورة الرابعة لمجلس التنسيق السعودي العراقي زما تمخضت عنه الدورات السابقة والاتفاقيات التي تصب فب تعزيز العلاقات بين البلدين , كذلك اعلن في 18 اشباط/2021 عزم العراق فتح معبر حدودي جديد مع المملكة العربية السعودية عبر محافظة النجف الأشرف ليكون نافذه للتعاون , وزيادة التبادل التجاري , وتسهيل حركة الحجاج بين البلدين وليكون مهمازاً نوعيا لزخم العلاقات بين البلدين.

  • البعد الأمني:

كان التغير موازين القوى العالمية دور مؤثر في سياسة التقارب بين العراق والسعودية اذا ان توسع الدور الصيني الروسي في المنطقة وتحركاتهما السياسية نحو ضمان مصالحهما وعقد تفاهمات الشراكة مع ايران قد يشكل تهديداً وجوديا للخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية, وايضا يعد تراجع الامريكي في المنطقة وتبني الولايات المتحدة وتبني استراتيجية فك الارتباط العسكري في المنطقة العربية, دافعاً رئيسياً لدول الخليج للتحرك دبلوماسياً وعسكرياً لضمان مصالحهما القومية والامنية, وتشترك كل من العراق والسعودية بحدود واسعة وتشكل ايران واجندتها في المنطقة الخطر الامني الذي يهدد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي لذلك فأن التقارب العراقي السعودي له انعكاسات على الملف الايراني والوصول الى نقاط مشتركة تمكن من تحقيق الامن والسلم في المنطقة.

ثالثاً: مستقبل العلاقات السياسية العراقية السعودية:

تشهد العلاقات بين العراق والسعودية مرحلة متقدمة من التقارب وتجاوز مرحلة القطيعة الغير اختيارية, وان احتمال حدوث انفراج دبلوماسي عراقي –سعودي تمثلت بلقاءات رسمية رفيعة المستوى في بداية عام 2017 ومن ثم القاء الرسمي على هامش اجتماع القمة العربية بين الملك سلمان ورئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي هذه القاءات مثلت انفراجا بعد اكثر من 16 عام من القطيعة الدبلوماسية بين العراق والسعودية , أذ مثلت هذه الخطوة بداية جدية يمكن الاعتكاز عليها بشإن اعادة العلاقات الدبلوماسية , ان حدوث تقارب بين البلدين لا يرتبط فقط بقدرة العراق على تعديل سلوكه السياسي الخارجي حيال السعودية , بل ان موضوع التقارب اعمق بكثير من ارادة البلدين ورغبتهما, اذا ان هناك تغير شامل في سلوك البلدين اتجاه بعض القضايا الاستراتيجية من بينها حدوث تغيير في طبيعة الانظمة السياسية للبلدين, وفتح السفارة السعودية في بغداد ومن ثم تعزيز اتفاقيات ضبط الحدود بين البلدين وتبادل السجناء وتوقيع مذكرات تفاهم فيما يتعلق بالاستثمارات لاسيما داخل العراق .

الخاتمة:-

جاءت الزيارات الرسمية بين العراق والسعودية في ظل عدد من السياقات السياسية والاقتصادية ومما لاشك فيه انه سيكون لها انعكاس مباشر على عدد من الملفات ربما ليس بحجم الطموح الذي يؤمل منها خصوصا ان الجانب العراقي يدرك توقيت الزيارات الرسمية والرسائل السياسية التي ارادات السعودية ايصالها من خلالها في ملف استثمار علاقة العراق وايران وتعزيز الحوار الغير مباشر بينهما لهذا من المرجح ان تظل انعكاسات هذه التطور في العلاقات السياسية بين العراق والسعودية وخصوصا في الملف السياسي والاقتصادي والامني في تطور نسبي.

 

*مهند أحمد الفرج/ باحث عراقي