مشروع الشام الجديد وابعاد اندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي

جعفر صادق علي*

توضح النظرية الاقتصادية الدولية، ان البلدان تصبح أكثر ثراءً عند اندماجها بعمق الاقتصاد العالمي، اذ يمكن للاندماج أن يسهل الوصول إلى قاعدة أكبر من المستهلكين، ومجموعة أكبر من العمال المؤهلين، ومصادر تمويل إضافية، وتقنيات اصلاح جديدة.

هذا مهم وبشكل خاص للعراق، الذي لا يزال متخلف في اقتصاده عن مستويات الدخل التي حققتها اقتصادات أخرى مماثلة لحجمه من بلدان العالم العربي، اذ يرتبط الدخل المرتفع للفرد ارتباطًا وثيقًا بالانفتاح التجاري ولا سيما مع زيادة عدد السكان. ومع ذلك، حتى بالنسبة لاقتصاد بحجم الامارات التي جاء في المركز الـ 30 على القائمة العالمية في خانة التنمية المرتفعة جداً، فإن اتباع مسار التنمية للاقتصادات المفتوحة حديثاً مثل: السعودية، والبحرين، وقطر، وعُمان، والكويت، يعد خيارًا واعدًا.

 في حين أن الاقتصادات الستة في دول الخليج العربي قد أحرزت تقدمًا كبيرًا نحو فتح اقتصاداتها، فإنها تواصل اقتفاء أثر أقرانها الإقليميين عادة في الشرق الاوسط، مع انضمام هذه الاقتصادات إلى صفوف البلدان ذات التنمية المرتفعة، فأنها حتماً ستتوسع صادراتها ويرتفع ناتجها المحلي الاجمالي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يمنع العراق للسير في الطريق الذي سارت عليه هذه الدول؟ إلى حد ما، فإن العوامل الموروثة التاريخية-مثل القاعدة الإنتاجية المحدودة نسبيًا (الريع) هي التي تحتاج الآن إلى رعاية أكثر، فضلاً عن الصراعات التي أثرت على التجارة الإقليمية والاندماج نحو الاقتصاد العالمي.

في عام 2014، وإدراكًا للإمكانيات غير المحققة للتكامل الاقتصادي وكوسيلة للنمو، أطلق البنك الدولي دراسة لمشروع الشام الجديد، وطبقا للدراسة يشمل المشروع كلا ًمن سوريا، ولبنان، والأردن، والأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تركيا، والعراق، ومصر، هذا المشروع بقي حوالي 5 سنوات كمجرد دراسة نظرية وفي عام 2019 بدأ العراق، ومصر، والاردن، في التفكير بخلق تفاهمات سياسية واقتصادية ولا سيما هذه الدول تعاني جميعها من فقر مرتفع وتراجع في مؤشرات النمو، حيث يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير من نظيراتها في الشرق الأوسط مثل تركيا، ناهيك عن دول الخليج.

اذ يواجه الأردن ديونًا ساحقة ومعدلات نمو منخفض، وقد وُضِع في موقف لا يُحتمل على نحو متزايد ببعد موجة تطبيع العلاقات الخليجية العربية مع “إسرائيل” والانقلاب الاخير الذي زعزع الثقة في شؤونه الداخلية وعلاقاته العربية، وبالإضافة إلى مشاكلها الاقتصادية، اما مصر فهي الى الان تخوض مواجهة متوترة مع إثيوبيا بسبب إصرار الأخيرة على المضي قدمًا في المرحلة الثانية لملء سد النهضة. أما العراق فيبدو وكأنه في حالة أزمة داخلية وإقليمية دائمة، وبسبب التنافسات العرقية والطائفية، فضلاً عن الضعف في بناء هوية وطنية واحدة واحتواء وبناء توازنات دولية تراعي مصالحه الداخلية على حساب مصالح الدول الاخرى على ارضه.

اجتمع قادة العراق، ومصر، والاردن في حزيران عام 2020، لإعطاء الأولوية للاقتصاد في قمة بغداد، ولكن بطبيعة الحال لمصر، والاردن ليس لديهما اقتصادياً ما يقدمانه للعراق، بقدر ما هما دولتان عربيتان مهمتان للعراق ومهمتان عالمياً والتقارب والتنسيق بينهما يعود بالفائدة على العراق ويعزز مكانته الإقليمية والدولية على الصعيد السياسي فحسب.

اما ما يخص الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في العراق التي تزداد صعوبة وتزيد من توترات البلاد، تستدعي شركاء قادرين على تقديم حلول اقتصادية أكثر نجاعة، اذ ألقت جائحة
COVID-19 وصدمة أسعار النفط بشكل صارخ على مقدار ما فقده العراقيون في العقدين الماضيين. نظام التعليم، الذي كان يقترب من القمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يقترب الآن من أدني مستوياتها، وبلغت نسبة المشاركة في القوى العاملة في العراق 42٪ إلى جانب واحد من أدنى معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في العالم، فضلاً عن التوجه العالمي نحو اقتصاد خالي من الكربون والذي يعني بالضرورة وقفا للاستهلاك العالمي للنفط الذي يشكل السلعة الاساسية للموازنات العراقية.

ومن الإشكاليات المحورية في الاقتصاد العراقي، هي كيفية إصلاح نظام يقاوم بعمق الحلول التي يحتاجها بشدّة. فالنظام الاقتصادي العراقي يقاوم التغيير بسبب تفكك الجماعات السياسية واستشراء الفساد في اغلب المؤسسات بسبب الأنشطة السياسية التنافسية التي ترفض خلق مسارات جديدة للإصلاح الاقتصادي والذي افضى الى ركود اقتصادي- اجتماعي.

 فإن النماذج الاقتصادية الجديدة، تتطلّب ترتيبات سياسية مبتكرة تنشئ الضوابط والموازين لتدخّل الاقتصاد العراقي إلى عالم المنافسة الحقيقية، وحتماً ثمة رابحون وخاسرون في كل برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي. لكن تطبيق تدابير رئيسة مثل: تحسين الشفافية والحوكمة، والتقدم في مجال انفاذ القانون، وتطوير الحوافز للروح الريادية وخلق الوظائف في القطاع الخاص ستؤدي، مع مرور الوقت، إلى الارتقاء بالأداء الاقتصادي وإلى تخفيض معدلات البطالة.

لذلك من الضروري ان يتجه قادة العراق الى التركيز على الاقتصاد السياسي المعقد للبلاد وليس التركيز على الاقتصاد لوحده والسياسة لوحدها بنحوٍ منفصل، فأن تسلط الضوء على التسوية السياسية والتنمية في آن واحد سيكون له إثر كبير على الواقع المجتمعي في العراق، فضلاً عن القضاء على فكرة العزلة إلى التكامل مع الاقتصاد العالمي، والذي من شأنه ان يسهل ظهور نموذج تنمية جديدة وعقد اجتماعي جديد بين العراق والعالم.

ويمكن ان تكون هناك أربع مجالات للعمل المشترك بين العراق والعالم في سياق مرحلة جديدة من عملية التقارب والاندماج وهذه هي: زيادة التعاون التنظيمي وتقليل العقبات التقنية أمام التجارة؛ وتسهيل جذب فرص الاستثمار؛ والتقدم نحو بناء سوق رقمي؛ والتعاون في تطوير الإحصاءات الخاصة بالتجارة في الخدمات، لتعطي العراق مزيداً من المسؤوليات، ومزيداً من الحقوق، وهو أمر ضروري لتحقيق النمو الناجح لكلا الجانبين.

*جعفر صادق علي/ باحث عراقي

Acest cazinou românesc https://balgarskiezik.org/ este unul minunat, oferindu-ți bonusuri generoase și oportunitățile de a te bucura fără nicio teama de riscurile implicate.